Admin المدير العام للمنتدى
عدد المساهمات : 280 تاريخ التسجيل : 26/06/2009
| موضوع: سيرة سعد بن معاذ رضي الله الإثنين أغسطس 31, 2009 8:53 am | |
| “في وقت، نحن فيه أحوج ما نكون إلى “النموذج”: نموذج الفرد الذي يؤدي عمله وهو يرى ربه معه، في كل ما يأتي من أمر أو ينتهي عن نهي؛ نموذج الفرد الذي يتعامل مع مجتمعه، من خلال تعامله مع ربه.. لنا أن نلقي نظرة على تاريخنا وتراثنا، تاريخنا العربي وتراثنا الإسلامي؛ نظرة نرى من خلالها بعضاً من تلك “النماذج” التي استطاعت أن تنتقل، أو تنقل نفسها بالأحرى، من رعاة إبل جفاة غلاظ يشعلون الحرب لأوهى الأسباب، إلى قادة وهداة؛ قادة إلى الحق، وهداة إلى الله الواحد الأحد، عبر آداب القرآن الكريم، وأحكامه”.
من قبيلة الخزرج ومن الأنصار الذين قدموا أرواحهم وأموالهم وأهليهم لنصرة دين الله. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد آخى بينه وبين عبد الله بن مسعود، نعم ابن مسعود الذي التقى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق هجرته يرعى غنماً لعقبة بن أبي معيط.
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبايع الأنصار بيعة العقبة الثانية، كان يجلس بين السبعين الذين يتكون منهم وفدهم، شاب مشرق الوجه، رائع النظرة، براق الثنايا، يبهر الأبصار بهدوئه وسمته، فإذا تحدث ازدادت الأبصار انبهاراً.
ذلك كان “معاذ بن جبل” رضي الله عنه. هو إذن رجل من الأنصار، بايع يوم العقبة الثانية، فصار من السابقين الأولين. وإن الروايات التاريخية لتصوره حيثما كان العقل المضيء الحازم الذي يحسن الفصل في الأمور.
فهذا “عائذ الله بن عبد الله” يحدثنا: أنه دخل المسجد يوماً مع أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم في أول خلافة عمر. قال: “فجلست مجلساً فيه بضع وثلاثون، كلهم يذكرون حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الحلقة شاب شديد الأدمة، حلو المنطق، وضيء، وهو أشب القوم سناً، فإذا اشتبه عليهم من الحديث شيء ردوه إليه فأفتاهم، ولا يحدثهم إلا حين يسألونه، ولما قضي مجلسهم دنوت منه وسألته: من أنت يا عبد الله؟؟ قال: أنا معاذ بن جبل”.
ولقد كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يستشيره كثيراً. وكان يقول في بعض المواطن التي يستعين فيها برأي معاذ بن جبل وفقهه: “لولا معاذ بن جبل لهلك عمر”.
وبلغ كل هذه المنزلة في علمه، وفي إجلال المسلمين له، أيام الرسول وبعد مماته، وهو شاب. فلقد مات معاذ في خلافة عمر ولم يجاوز من العمر ثلاثة وثلاثين عاماً.
وشهد معاذ مع الرسول صلى الله عليه وسلم غزوتي بدر وأحد والمشاهد كلها ولم يتخلف عن أي منها. ثم بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضياً إلى الجند من اليمن يعلم الناس القرآن وشرائع الإسلام ويقضي بينهم وجعل إليه قبض الصدقات من العمال الذين باليمن.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل: “بمَ تقضي يا معاذ؟”. قال: “بما في كتاب الله”. قال: “فإن لم تجد؟”. قال: “بما في سنة رسول الله”. قال: “فإن لم تجد؟”. قال: “اجتهد رأيي”.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “الحمد لله الذي وفق رسول رسوله لما يحب الله ورسوله”. وعاش معاذ في بلاد اليمن.. عاش فقيهاً معلماً، عاش لدينه يقرئ من آمن بكتاب الله ويفقههم في دينهم. وعاش مجاهداً بالكلمة المضيئة التي تبدد ظلام الشرك والكفر وتخرج الناس من الظلمات إلى النور.
وفي نفس الوقت تجبى من القادرين الزكاة فترد على فقرائهم، فإذا كان هناك فائض عن حاجتهم بعث به معاذ إلى فقراء المسلمين في المدينة.
وانتهت مهمة معاذ على أرض اليمن وعاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مهموماً مكدوداً لأن ماله كله أغلقه في الدين.
وطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يسأل غرماءه أن يضعوا له دينه. فأبوا عليه ذلك، ولو تركوا لأحد من أجل أحد لتركوا لمعاذ من أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فباع النبي صلى الله عليه وسلم ماله كله في دينه. وقام معاذ من مجلس الدين بلا شيء. ثم أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم مرة أخرى إلى أرض اليمن، ليجبره، فمكث معاذ باليمن أميراً، وكان أول من اتجر في مال الله معاذ. وأصاب كثيراً وأصبح له مال وثروة.
ومات الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن أدى الأمانة وبلغ الرسالة، وكان معاذ باليمن منذ وجهه النبي إليها يعلم المسلمين ويفقههم في الدين. وعندما تولى أبو بكر الصديق الخلافة، عاد معاذ إلى المدينة.
وعلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بثروة معاذ التي عاد بها من اليمن، نتيجة متاجرته في مال الله. فقال عمر لأبي بكر: أرسل إلى معاذ فدع له ما يعيشه، وخذ سائره منه. فقال أبو بكر: إنما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ولست بآخذ منه شيئاً إلا أن يعطيني.
فانطلق عمر إليه، إذ لم يطعه أبو بكر. وقال يا معاذ: “إنما خذ ما يكفيك ورد سائره لبيت المال”. فقال معاذ: “إنما أرسلني إليه النبي صلى الله عليه وسلم ليجبرني ولست بفاعل ما تقول به”.
فذهب عمر، ورضي بما قاله معاذ، من أن النبي أرسله ليجبره. فلا فتوة لعمر في ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم.
وتمر الأيام وتكر الليالي ويذهب معاذ إلى بيت عمر ويطرق عليه بابه، ويلتقي عمر ومعاذ ويتساءل عمر: ما بك يا معاذ(؟). فيقول: “يا أخي يا عمر: قد أطعتك في أمر المال وأنا فاعل ما أمرتني به”. ويقول عمر: “يا معاذ هذا أمر قد فرغنا منه ولقد راجعت نفسي لأن الذي أرسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كان لي أن أقي نفسي في ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم، وتمتم عمر بينه وبين نفسه بصوت لا يبين: “وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم”.
قال معاذ: “لقد رأيت في المنام أني في حومة ماء وقد خشيت الغرق فخلصتني منه يا عمر”. عندها قال عمر: “رحمك الله يا أخي معاذ”.
وانطلقا معاً حتى أتيا أبا بكر وذكرا ذلك كله له. وحلف لا يكتم شيئاً من مال أعطاه الله له. فقال أبو بكر: “لا يا معاذ لا آخذ منك شيئاً قد وهبته لك”. فقال عمر: “يا معاذ هذا خير حل وطاب”.
ويتعانق فرسان مدرسة النبوة وتهطل دموعهم فتخضل لحاهم خشية ورهبة من الله تعالى.
ويهاجر “معاذ” إلى الشام، حيث يعيش بين أهلها والوافدين عليها معلماً وفقيهاً، فإذا مات أميرها أبو عبيدة الذي كان الصديق الحميم لمعاذ، استخلفه أمير المؤمنين عمر على الشام، ولا يمضي عليه في الإمارة سوى بضعة أشهر حتى يلقى ربه.
| |
|