إسلامهأسلم عمر في ذي الحجة من السنة السادسة من النبوة وهو ابن سبع وعشرين
[17]. وذلك بعد إسلام
حمزة بثلاث أيام
[18]. وكان ترتيبه الأربعين في الإسلام. وكان النَّبيُّ قال: "اللَّهُمَّ أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك عمر بن الخطاب أو
عمرو بن هشامرواية عمرذكر
أسامة بن زيد عن أبيه عن جده أسلم قال- قال لنا عمر بن الخطاب: أتحبون أن أُعلِّمكم كيف كان بَدء إسلامي؟ قلنا: نعم. قال:كنت من أشد الناس على
رسول الله. فبينا أنا يوماً في يوم حار شديد الحر بالهاجرة في بعض طرق مكة إذ لقيني رجل من قريش،
فقال: أين تذهب يا ابن الخطاب؟ أنت تزعم أنك هكذا وقد دخل عليك الأمر في بيتك.
قلت: وما ذاك؟
قال: أختك قد صبأت. فرجعت مغضباً وقد كان
رسول الله يجمع الرجل والرجلين إذا أسلما عند الرجل به قوة فيكونان معه ويصيبان من طعامه، وقد كان ضم إلى زوج أختي رجلين. فجئت حتى قرعت الباب،
فقيل: من هذا؟
قلت: ابن الخطاب وكان القوم جلوساً يقرؤون القرآن في صحيفة معهم. فلما سمعوا صوتي تبادروا واختفوا وتركوا أو نسوا الصحيفة من أيديهم. فقامت المرأة ففتحت لي.
فقلت: يا عدوة نفسها، قد بلغني أنك صبوت! - يريد أسلمت - فأرفع شيئاً في يدي فأضربها به. فسال الدم. فلما رأت المرأة الدم بكت، ثم قالت: يا ابن الخطاب، ما كنت فاعلاً فافعل، فقد أسلمت. فدخلت وأنا مغضب، فجلست على السرير، فنظرت فإذا بكتاب في ناحية البيت،
فقلت: ما هذا الكتاب؟ أعطينيه.
فقالت: لا أعطيك. لَسْتَ من أهله. أنت لا تغتسل من الجنابة، ولا تطهر، وهذا {لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المُطَهَّرُوْنَ} [الواقعة: 79]. فلم أزل بها حتى أعطيتينيه فإذا فيه: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ} فلما مررت بـ {الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ} ذعرت ورميت بالصحيفة من يدي، ثم رجعت إلى نفسي فإذا فيها: {سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيْزِ الحَكِيْمُ} [الحديد: 1] فكلما مررت باسم من أسماء اللّه عزَّ وجلَّ، ذعرت، ثم ترجع إلي نفسي حتى بلغت: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِيْنَ فِيْهِ} [الحديد: 7] حتى بلغت إلى قوله: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِيْنَ} [الحديد: 8]
فقلت: أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أن محمداً رسول اللّه. فخرج القوم يتبادرون بالتكبير استبشاراً بما سمعوه مني وحمدوا اللَّه عزَّ وجلَّ. ثم قالوا: يا ابن الخطاب، أبشر فإن
رسول الله دعا يوم الاثنين فقال: "اللّهم أعز الإسلام بأحد الرجلين إما
عمرو بن هشام وإما عمر بن الخطاب". وإنا نرجو أن تكون دعوة
رسول الله لك فأبشر. فلما عرفوا مني الصدق قلت لهم: أخبروني بمكان
رسول الله.
فقالوا: هو في بيت أسفل الصفا وصفوه. فخرجت حتى قرعت الباب.
قيل: من هذا؟
قلت: ابن الخطاب. فما اجترأ أحد منهم أن يفتح الباب.
فقال
رسول الله: "افتحوا فإنه إن يرد اللّه به خيراً يهده". ففتحوا لي وأخذ رجلان بعضدي حتى دنوت من النبيَّ
فقال: "أرسلوه". فأرسلوني فجلست بين يديه. فأخذ بمجمع قميصي فجذبني إليه ثم قال: "أسلم يا ابن الخطاب اللَّهُمَّ اهده"
قلت: أشهد أن لا إله إلا اللّه وأنك رسول اللّه. فكبَّر المسلمون تكبيرة سمعت بطرق مكة.
وقد كان استخفى فكنت لا أشاء أن أرى من قد أسلم يضرب إلا رأيته. فلما رأيت ذلك قلت: لا أحب إلا أن يصيبني ما يصيب المسلمين. فذهبت إلى خالي وكان شريفاً فيهم فقرعت الباب عليه.
فقال: من هذا؟
فقلت: ابن الخطاب. فخرج إليَّ فقلت له: أشعرت أني قد صبوت؟
فقال: فعلت؟ فقلت: نعم. قال: لا تفعل. فقلت: بلى، قد فعلت. قال: لا تفعل. وأجاف الباب دوني (رده) وتركني.:قلت: ما هذا بشيء. فخرجت حتى جئت رجلاً من عظماء قريش فقرعت عليه الباب.
فقال: من هذا؟
فقلت: عمر بن الخطاب. فخرج إليَّ، فقلت له: أشعرت أني قد صبوت؟
قال: فعلت؟ قلت: نعم. قال: لا تفعل. ثم قام فدخل وأجاف الباب. فلما رأيت ذلك انصرفت. فقال لي رجل: تحب أن يعلم إسلامك؟ قلت: نعم. قال: فإذا جلس الناس في الحجر واجتمعوا أتيت فلاناً، رجلاً لم يكن يكتم السر. فاُصغ إليه، وقل له فيما بينك وبينه: إني قد صبوت فإنه سوف يظهر عليك ويصيح ويعلنه. فاجتمع الناس في الحجر، فجئت الرجل، فدنوت منه، فأصغيت إليه فيما بيني وبينه.
فقلت: أعلمت أني صبوت؟
فقال: ألا إن عمر بن الخطاب قد صبا. فما زال الناس يضربونني وأضربهم. فقال خالي: ما هذا؟ فقيل: ابن الخطاب. فقام على الحجر فأشار بكمه فقال: ألا إني قد أجرت ابن أختي فانكشف الناس عني. وكنت لا أشاء أن أرى أحداً من المسلمين يضرب إلا رأيته وأنا لا أضرب. فقلت: ما هذا بشيء حتى يصيبني مثل ما يصيب المسلمين. فأمهلت حتى إذا جلس الناس في الحجر وصلت إلى خالي فقلت: اسمع. فقال: ما أسمع؟ قلت: جوارك عليك رد. فقال: لا تفعل يا ابن الخطاب. قلت: بلى هو ذاك. قال: ما شئت. فما زلت أضرب وأضرب حتى أعز اللّه الإسلام.
الهجرة إلى المدينةلم يهاجر أحد من المسلمين إلى المدينة علانية إلا عمر بن الخطاب، حيث لبس سيفه ووضع قوسه على كتفه وحمل أسهما وعصاه القوية، وذهب إلى
الكعبة حيث طاف سبع مرات، ثم توجه إلى المقام فصلى، ثم قال لحلقات المشركين المجتمعة: "شاهت الوجوه، لا يُرغم الله إلا هذه المعاطس، من أراد أن تثكله أمه ويوتم ولده أو يرمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي". فلم يتبع أحد منهم إلا قوم مستضعفين أرشدهم وعلمهم ومضى
[19]و وصل عمر المدينة ومعه ما يقارب العشرين شخصا من أهله وقومه، منهم أخوه
زيد بن الخطاب، وعمرو وعبد الله أولاد سراقة بن المعتمر، وخنيس بن حذافة السهمي زوج ابنته حفصه، و ابن عمه
سعيد بن زيد (أحد المبشرين بالجنة). ونزلوا عند وصولهم في قباء عند رفاعة بن عبد المنذر. وكان قد سبقه
مصعب بن عمير وابن أبي مكتوم و
بلال وسعد و
عمار بن ياسر.
وفي "المدينة" آخى النبي بينه وقيل عويم بن ساعدة
[20] وقيل
عتبان بن مالك[21] وقيل:
معاذ بن عفراء. وقال بعض العلماء أنه لا تناقض في ذلك لاحتمال أن يكون الرسول قد أخى بينه وبينهم في أوقات متعددة
[22] إلا أن هناك أقوال تشكل على الخليفة عمر بن الخطاب منها كونه به غلظة وشدة يقول أهل السنة أنها في الحق.
وقد ورد في طبقات ابن سعد في المجلد الثالث الصفحة 251 الطبعة الأولى تحقيق الدكتور علي محمد عمر في باب هجرة عمر بأن عمر بن الخطاب تواعد سرا مع عياش ابن أبي ربيعة عند إضاءة بني غفار.. ولم يخرج عمر علانية
قتاله مع المسلمينثبت أن عمر شهد جميع المواقع والغزوات التي شهدها النبي محمد
[23] ففي
غزوة بدر كان عمر ثاني من تكلم ردا على الرسول محمد عندما استشارهم قبل الغزوة بدر بعد أبو بكر، فأحسن الكلام ودعا إلى قتال المشركين. وقد قتل عمر خاله
العاص بن هشام في تلك الغزوة. وفي غزوة أحد رد عمر على نداء أبي سفيان حين سأل عمن قتل. وفي غزوة الخندق صلى العصر فائتا مع الرسول (صلى الله عليه وسلم) بعد أن غابت الشمس
[24]