محمد (صلى الله عليه وسلم)
في غرب الجزيرة العربية، وفي مكة المكرمة، ولدت (آمنة بنت وهب) ابنها
محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، في الليلة الثانية عشرة من ربيع الأول
سنة 571 ميلادية وهو ما يعرف بعام الفيل.
وقد ولد محمد صلى الله عليه وسلم يتيمًا، فقد مات أبوه، وهو لم يزل جنينًا
في بطن أمه، فقد خرج عبدالله بن عبدالمطلب إلى تجارة في المدينة
فمات هناك، واعتنى به جده عبدالمطلب، وسماه محمدًا، ولم يكن هذا الاسم
مشهورًا ولا منتشرًا بين العرب، وقد أخذته السيدة حليمة السعدية لترضعه في
بني سعد بعيدًا عن مكة؛ فنشأ قوىَّ البنيان، فصيح اللسان، ورأوا الخير والبركة من يوم وجوده بينهم.
وفي البادية، وبينما محمد صلى الله عليه وسلم يلعب مع الغلمان، إذ جاء
إليه جبريل -عليه السلام- فأخذه، وشق عن قلبه، فاستخرج القلب، واستخرج منه
علقة هي حظ الشيطان منه، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم أعاد القلب
إلى مكانه، فأسرع الغلمان إلى حليمة فقالوا: إن محمدًا قد قتل، فاستقبلوه
وهو متغير اللون، قال أنس بن مالك: كنت أرى أثر ذلك المخيط في
صدره.[مسلم والحاكم] ولما رأت حليمة السعدية ذلك، أرجعت محمدًا صلى الله
عليه وسلم إلى أمه آمنة، فكان معها تعتني به حتى بلغ السادسة من عمره،
وبعدها توفيت، فأخذه جده عبدالمطلب الذي لم يزل يعتني به منذ ولادته، ولما
مات جده وهو في الثامنة من عمره، عهد بكفالته إلى عمه أبى طالب..
وقد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حرب الفجار مع أعمامه، وهذه حرب
خاضتها قريش مع كنانة ضد قيس عيلان من هوازن دفاعًا عن قداسة الأشهر الحرم
ومكانة بيت الله الحرام، كما شهد حلف الفضول الذي ردت فيها قريش لرجل من
زبيد حقه الذي سلبه منه العاص بن وائل السهمى، وكان هذا الحلف في دار
عبدالله بن جدعان، وقد اتفقت فيه قريش على أن ترد للمظلوم
حقه، وكان لهذين الحدثين أثرهما في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان من بين أهل قريش امرأة شريفة تسمى خديجة بنت خويلد، كانت تستأجر
الرجال في تجارتها، وقد سمعت بأمانة محمد صلى الله عليه وسلم، فأرسلت إليه
تعرض عليه أن يخرج بتجارتها إلى الشام، وتعطيه أكثر ما تعطى غيره، فوافق
محمد صلى الله عليه وسلم، وخرج مع غلامها ميسرة، وتاجرا وربحا، ولما عادا
من التجارة، أخبر ميسرة سيدته خديجة بما لمحمد صلى الله عليه وسلم
من خصائص، وكانت امرأة ذكية، فأرسلت تخطب محمدًا صلى الله
عليه وسلم.
ثم جاء عمه أبو طالب وعمه حمزة وخطباها لمحمد صلى الله عليه وسلم، وتزوج
رسول الله صلى الله عليه وسلم بخديجة، وكانت نعم الزوجة الصالحة، فقد
ناصرته في حياتها، وبذلت كل ما تملك في سبيل إعلاء كلمة الله، وقد عرف
رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسن تدبيره وحكمته ورجاحة عقله في حل
المشكلات، فقد أعادت قريش بناء الكعبة، وقد اختلفوا فيمن يضع الحجر الأسود
مكانه، حتى كادت أن تقوم حرب بينهم، وظلوا على ذلك أيامًا، واقترح أبو
أمية بن المغيرة تحكيم أول من يدخل من باب المسجد، فكان رسول الله صلى
الله
عليه وسلم ، فأمر بإحضار ثوب، ثم أمر بوضع الحجر في الثوب، وأن تأخذ كل
قبيلة طرفًا من الثوب، فرفعوه جميعًا، حتى إذا بلغ الموضع، وضعه رسول الله
صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة مكانه، ثم بنى عليه، وكان آنذاك في
الخامسة والثلاثين من عمره.