عندما يصل حديثنا إلى خامس الكواكب بعداً عن الشمس تشعر حقا بعظمة هذا
الكوكب حتى يقال إن المشتري اشترى العظمة لنفسه، فهو العملاق بين الكواكب
المضيء المتألق هو وأقماره الكبيرة التي يمكن رؤيتها بأصغر المقارب.
لا يسبقه شدة إضاءة إلا كوكب الزهرة. وتألقه من ضخامة حجمه فهو ملك
الكواكب وأكبرها حجما. فإذا فرضنا قطر الأرض واحداً فإن قطرة أكبر 11 مرة
من قطر الأرض، و بالتالي حجمه أكبر بأكثر من 1338 مرة من حجم الأرض. فتخيل
لو افترضنا أنه كرة مجوفة سوف نحتاج إلى ما يقارب 1338 كرة أرضية لملأ
تجويف الكوكب من الداخل. وكتلته أكبر بحوالي 318 مرة من كتلة الأرض.
ويعتقد العلماء أن كتلة المشتري وحدها تشكل 3/4 كتلة النظام الشمسي. من
هذه الأرقام نشعر بأن الأرض ليست أكثر من نقطة صغيرة بجانب هذا العملاق
الكبير.
وسندرس في هذا الفصل المزيد من المعلومات عن هذا الكوكب.
المشتري بالأرقاميدور
كوكب المشتري في مداره حول الشمس وهو قائم تقريبا إذ يميل محوره فقط 3 ْ
عن العمود القائم على مستوى مداره.
ويدور على بعد متوسطه 778 مليون كلم عن الشمس وشذوذه مركزيته e=0.048 .
نصف قطر الكوكب 71.400كلم تقريبا، فهو ليس كروي بل يميل إلى التفلطح عند
دائرة الاستواء إذ يبدو منبعجاً من الوسط والأرقام تدل على هذا، فقطره عند
الاستواء يعادل 71400 كلم أما قطره من القطب الشمالي إلى الجنوبي يعادل
66800 كلم. ويعزى هذا السبب إلى دورته السريعة حول نفسه.
كتلة المشتري1.9 ×10 27 كغم وهي ضئيلة جدا مقابل ضخامة الحجم ومن هذه
الأرقام تحسب الكثافة فتكون 1.3غم/ سم3 إذاً الكوكب خفيف. وقد وجد انه
يتألف من الغاز في مجمله.
يقول العلماء انه لو كان الكوكب غازيا كاملاً أي أن نواته غازية أيضاً
فسيكون تفلطحه (انبعاجه) عند الوسط اكبر بكثير. ولكن من نسبة تفلطحه عند
الوسط يجب أن يكون له نواة صخرية صغيرة يتوقع إنها تعادل 10-20 مرة من
كتلة الأرض.
يدور هذا العملاق حول الشمس على بعد 778مليون كلم. فمداره إذاً طويل
وبالتالي ستكون سنته طويلة وهي تقارب 11.89 سنة أرضية. أي انه يحتاج على
قرابة 12سنة أرضية ليتم دورة واحدة حول الشمس. ولكنه يدور حول نفسه بسرعة
هائلة جداً مشكلاً اقصر يوم في أيام الكواكب جميعها؛ إذ أن اليوم عليه
9ساعات و55 دقيقة و29 ثانية أرضية. فالليل والنهار يمران على سطح الكوكب
في 10 ساعات فقط. ولأنه قائم تقريبا ليس عليه فصول أربعة كما هو الحال على
الأرض.
المشتري من خلال المرقبأول من وجه مقراباً نحو المشتري هو العالم الإيطالي
جاليليو جاليلي إذ رصد الكوكب، ورأى أربعة أقمار صغيرة تدور حوله. فتيقن
بهذا من تأكيد نظرية كوبرنيكس بان الأرض ليست مركز الكون، وإنه ليس
بالضرورة أن جميع الأجرام السماوية تدور حولها. فهاهي أقمار المشتري
الأربعة تدور حوله كأنها نظام مصغر فبالتالي الأرض ليست مركزاً. هذه
الأقمار الأربعة الشهيرة لها أسماء يقال أن من دعاها بها هوSimon Marius
سيمون ماريوس في عام 1610 وهي: أيو IO، يوروبا Europa ، جانيميد Ganymede،
كاليستو Callisto . وتدعى أقمار جاليليو. وكما أسلفنا سابقاً فإنه
بالإمكان التأكد من صحة هذا الكلام بأن ننظر من خلال مقراب صغير نحو
المشتري وسنتمكن من رؤية قرصه اللامع وأقماره الأربعة تدور حوله. ولكن قد
نجد أحدها مختف خلف الكوكب أو ماراً من أمامه فلا نراه ولكن لو انتظرنا
لفترة فستعاود الظهور، لأنها سريعة في دورانها حول الكوكب. وسنقوم بدراسة
هذه الأقمار بالتفصيل لاحقاً. وأيضاً لو دققنا النظر في قرص المشتري جيداً
أو استعملنا مقراباً أكبر لظهر القرص أكثر وضوحاً. سنشاهد قرص الكوكب مغطى
بأحزمة ملونة أو على الأقل متباينة في ألوانها بين الداكن والفاتح بخطوط
عرضية موازية لدائرة استواء الكوكب. وللتميز بين هذه المناطق يطلق العلماء
اسم zone أي المنطقة على الجزء المضاء أو اللامع أما الجزء المعتم أو
الداكن فيطلق عليه اسم belts أي الأحزمة.
ثم قام العلماء بتقسيم الكوكب إلى ثلاثة أقسام تضم مجموعة من المناطق أو الأحزمة وهي:
* القسم الشمالي ويضم منطقة معتدلة شمالية حزام معتدل شمالي منطقة مدارية شمالية.
* القسم الاستوائي ويضم حزام استوائي شمالي ومنطقة استوائية وحزام استوائي جنوبي.
* القسم الجنوبي يضم منطقة مدارية جنوبية وحزام معتدل جنوبي ومنطقة معتدلة جنوبية.
ويمكن أن نلاحظ وجود بقعة حمراء كبيرة في المنطقة المدارية الجنوبية وهذه
البقعة المعروفة منذ أكثر من 300 عام شاهدها لأول مرة الفلكي الإنجليزي
روبرت هوك في منتصف القرن السابع عشر و بالتحديد عام 1664 –1665 وتدعى
بالبقعة الحمراء العظيمة Great Red Spot وتتحرك حول الكوكب في دورة كاملة
ودائمة منذ عرفناها. وكان الاعتقاد السائد بأنها جسم صلب يطفوا فوق غازات
المشتري، ويمكن أن نشاهد عدداً من البقع البيضاوية على غرار البقعة
الحمراء ولكنها أصغر حجماً ومختلفة في ألوانها وسأقوم لاحقاً بتفسير هذه
الظواهر.
المشتري بكاميرات المركبات الفضائية إن الظواهر على سطح المشتري زادت من حماس العلماء لزيارة
هذا الكوكب ورصده عن كثب من خلال عيون مركبات فضائية غير مأهولة تضيف لنا
الكثير مما نجهل عنه. وتصدرت القائمة رحلة المركبة التوأم pioneer بيونير(
الرائد) . وتشمل مركبتين متشابهتين بيونير-10 و بيونير-11 حيث أطلقت
الأولى في كانون الأول في 2/ آذار 1972 من قاعدة كاب كانفيرال، ووصلت
المشتري في كانون أول/ 1973. وأطلقت الثانية في نيسان 1973 ووصلت في كانون
أول/1974. ثم تلاها مشروع المركبة التوأم voyager فويجير وتشمل أيضاً
مركبتين متشابهتين هما؛ فويجير-1 ، فويجير-2 حيث أطلقتا عام 1977 ووصلتا
بالتتابع في آذار وتموز 1979. لابد أن سؤال الذي سيقفز إلى الذهن الآن
لماذا الازدواجية في هذه المركبات؟ لماذا أطلقت مركبتان في كل مشروع؟ يعود
ذلك لأسباب عدة أذكر منها أن التماثل في البرنامج والأجهزة ولأدوات
المستخدمة يوفر الكثير من الأموال والجهد وذلك لوحدة التصميم والتصنيع.
وكذلك إذا حدث فشل في إطلاق المركبة الأولى تكون المركبة الثانية على أهبة
الاستعداد للإطلاق بدلاً من إلغاء المشروع وفشله، وحتى إذا حدث خلل معين
أو عطل لأحد الأجهزة في أثناء الرحلة فإن المركبة الثانية ستؤدي نفس
الهدف.
ولعل الطريق نحو الكوكب العملاق المحفوفة جداً بالمخاطر تستدعي وجود مركبة
احتياط في حال تحطم الأخرى.
اتجهت بيونير-10 بعد ذلك نحو الفضاء، وبيونير-11 اتجهت نحو زحل لتستكشف
نحو الفضاء في اتجاه مغاير تماما للأولى. أما فويجير-1 فاتجهت نحو زحل ثم
إلى الفضاء بينما أكملت فويجير-2 رحلتها إلى زحل ثم أورانوس ثم نبتون ثم
خرجت خارج حدود الكواكب في الفضاء الخارجي. وبعد هذه الرحلات تم إطلاق
المركبة جاليليو نحو المشتري في تشرين الأول 1989 . ثم أطلق المجس يوليسس
Ulysses في شباط 1992 نحو المشتري لإجراء المزيد من الدراسات عليه
جو المشتري أن كوكب المشتري كما أسلفنا كوكب غازي كثافته قليلة ووجد
أن ما نراه من الكوكب هو غازات متراكمة في طبقات فوق بعضها وكل ما سندرجه
عن تركيب المشتري هو توقعات من البيانات والمعلومات التي تبثها المركبات
عن الكوكب. هذا الغاز يتالف بشكل رئيسي من الهيدروجين الذي يشكل 89% من
تركيبه والغاز الثاني الرئيسي هو الهيليوم و يؤلف 11% من جو الكوكب وما
تبقى كميات ضئيلة جداً من الميثان و الأمونيا .
وفي هذا الجو الغازي ظهرت عواصف هائجة هائلة وأعاصير عملاقة تجتاح جو
المشتري تدور وتدور عليه بحركة دائمة وتشكل ملامح واضحة جدا ما هي إلا
خطوط الحزمة عرضية التي نراها على سطح الكوكب عند رصده فتيارات الغازات
المتحركة بسرعة باتجاه الشرق أو باتجاه الغرب لكن يغلب إن تكون باتجاه
الشرق تصل سرعتها إلى 540 كلم /ساعة .
فإذا كانت التيارات صاعدة كانت الألوان فاتحة، وإذا كانت تيارات غازات
هابطة تكون الألوان داكنة - بناء على افتراض أحد العلماء - ولان مكونات
الغاز الأصلية ليست ملونة فلابد من حدوث تفاعلات كيميائية مستمرة تؤدي مع
حركة الغازات السريعة إلى حدوث هذه الألوان وهي أصفر,أزرق فاتح ,بني
وأحمر. وثمت اعتقاد آخر سائد يقول أن الغازات تسخن بفعل حرارة الكوكب
الداخلية و ترتفع إلى الأعلى ، تبرد وتكون غيوم من بلورات الأمونيا في
الطبقة الغازية الهيدروجينية. وتشكل الغيوم المناطق الفاتحة حين تكون أبرد
وأعلى ارتفاعاً من المناطق الداكنة الدافئة والأقل انخفاضاً، والمتوقع
أنها تتركب من كبريتات الأمونيوم الهيدروجينية .
ومن الظواهر الجوية الواضحة على سطح المشتري البقعة
الحمراء العظيمة التي بينت المركبات أنها ظاهرة إعصارية ضخمة جدا تدور حول
الكوكب في اتجاه عكس عقارب الساعة في مدة تصل إلى 12 يوم ,بحجم يعادل قطر
كرتين أرضيتين تقريبا. وهناك أيضاً عدداً من البقع الأخرى أصغر حجماً,
يعتقد العلماء أن قوة بقاء هذه البقع يعتمد على حجمها. ولعدم وجود أراضى
يابسة فان هذه العواصف لا تجد شيئا يقف في طريقها فتستمر وتستمر.
ويتوقع العلماء أيضا أن تركيب جو المشتري من ثلاث طبقات متمايرة أعلاها
واقلها حرارة مكون من غاز الأمونيا الذي يتجمد في البرودة و يعطي اللون
الفاتح الذي نراه عند رصد الكوكب.
الطبقة الثانية حيث تتحد الأمونيا مع كبريتيد الهيدروجين وتشكل بلورات
بنية ولها رائحة برائحة البيض الفاسد. وهذه البلورات من كبريتيد
الهيدروجين و الأمونيا تشكل الألوان الداكنة والأكثر حرارة.
أما الطبقة الثالثة والأكثر عمقاً والتي لم يستطيع أحد رؤيتها قد تكون
مكونة من بلورات جليد مائية مزرقة اللون.