حوار الديانات: الأسس والضوابط
السؤال : بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ، نشكركم على هذا الموقع الطيب ، و نتوجه للسادة العلماء بهذا السؤال :
ما رأي السادة العلماء في من يدعو إلى بناء مسجد وكنيسة ومعبد في محيط واحد ، في رحاب الجامعات والمطارات والساحات العامة ، وكذلك في من يدعو إلى طباعة القرآن الكريم والتوراة والإنجيل في غلاف واحد بدعوة وحدة الأديان
وما الفرق بين هذا وبين حوار الأديان ؟؟ أفيدونا مأجورين
الجواب
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن التقريب بين الأديان يختلف حكمه بحسب المقصود به : فإن كان المقصود به دمج الأديان في بعضها والاعتراف بالتثليت والتشبيه وغير ذلك من مظاهر الشرك فإنه لا يجوز مطلقا، وإن كان المقصود به التحاور بين أهل الديانات بالحسنى ، والتعاون على مبادئ الأخلاق وحسن التعامل ومنع الظلم فهذا لا بأس به ، وهو مستحب شرعا.
جاء في فتاوى المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء:
يستعمل الكثيرون عبارة (التقريب بين الأديان)، والأولى استخدام كلمات أخرى مثل الحوار والاشتراك والتعاون، وبخصوص ذلك ينبه المجلس إلى أنه إذا كان المقصود به إذابة الفوارق بينها من أجل اللقاء في منطقة وسطى جمعاً بين التوحيد والتثليث والتنـزيه والتشبيه مثلاً، فذلك مما يأباه الدين الخاتم الكامل، قال تعالى: [b](وأن احكم بينهم بما أنزل الله، ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) [المائدة: 49].
غير أن للحوار والاشتراك والتعاون بين رسالة الإسلام والرسالات السماوية الأخرى معاني مقبولة، لأمر الله تعالى بقوله: [b]}وجادلهم بالتي هي أحسن{ [النحل: 125]، ولقوله عز وجل: }يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله{ [آل عمران: 64 ، وتأسياً بسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحوار مع نصارى أهل نجران وغيرهم كما تروى في كتب التفسير والسيرة. وأصلها في "صحيح البخاري" ، وذلك اعتباراً لأصول الإسلام، في وحدة الألوهية والنُّبوات والأصل الإنساني، وفي عموم الرسالة وواجب الدعوة إلى الله عز وجل عن طريق الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن، بعيداً عن كل ضروب الإكراه والإجبار والنيل من مشاعر المخالف في الملة، ذلك أنه ولئن تباينت رسالة الإسلام والرسالات السماوية الأخرى في أصول وفروع معروفة، فقد اشتركت معها في أخرى معتبرة، مثل عموم الإيمان بالله تعالى والنبوات واليوم الآخر وأصول الأخلاق، وأسس البناء الاجتماعي كالأسرة والمحافظة على البيئة وقضايا حقوق الإنسان والشعوب المستضعفة والتصدي للطغيان والمظالم على كل المستويات المحلية والدولية، وإشاعة روح التسامح ونبذ التعصب وحروب الإبادة والعدوان.
ويؤكد هذه المعاني للتقارب مع أهل الملل الأخرى : اشتداد عواصف الفلسفة المادية والإباحية والإلحاد والتفكيك لأواصر المجتمعات ؛ في ظل ثورة الاتصال التي جعلت من العالم قرية صغيرة توشك أن تشترك في المصير، بما يعزز مساعي الحوار والتعاون مع أهل الملل الأخرى ولا سيما مع أهل الكتاب إبرازاً للمشترك ودفاعاً عنه، بدل النكء المستمر لجراح الاختلاف، قال تعالى: [b]( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) [الحجرات: 13] ، ولقد شهد صاحب الدعوة عليه الصلاة والسلام أن عباد الله كلهم إخوة ، وقال تعالى: [b](وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )[المائدة: 2].
هذا عن الحوار بين أهل الأديان والمجادلة بالتي هي أحسن أما دعوى التقريب بين الأديان أو التوحيد بين الأديان فقد جاء حكم ذلك في فتاوى دار الإفتاء السعودية ،حيث وضعت الضوابط والأسس الحاكمة لهذا الحوار وإليك هذه الفتوى باختصار وتصرف يسير :
أولاً : إن من أصول الاعتقاد في الإسلام المعلومة من الدين بالضرورة ، والتي أجمع عليها المسلمون ، أنه لا يوجد على وجه الأرض دين حق سوى دين الإسلام ، وأنه خاتمة الأديان ، وناسخ لجميع ما قبله من الأديان والملل والشرائع ، فلم يبق على وجه الأرض دين يتعبد به سوى الإسلام ، قال الله تعالى : [b](ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) [ آل عمران : 85 ] والإسلام بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم هو ما جاء به دون مما سواه من الأديان 0
[b]ثانياً : ومن أصول الاعتقاد في الإسلام أن كتاب الله تعالى " القرآن الكريم " هو آخر كتب الله نزولاً وعهداً برب العالمين ، وأنه ناسخ لكل كتاب أنزل من قبل من التوراة والإنجيل وغيرها ، ومهيمن عليها ، فلم يبق كتاب منزل يتعبد الله به سوى "القرآن الكريم " قال الله تعالى : [b](وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق ) [ المائدة : 48 ] 0
ثالثاً : يجب الإيمان بأن ( التوراة والإنجيل ) قد نسأ بالقرآن الكريم ، وأنه قد لحقهما التحريف والتبديل بالزيادة والنقصان كما جاء بيان ذلك في آيات من كتاب الله الكريم ، منها قول الله تعالى :
[b]( فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم )[ المائدة : 13 ]
وقوله جل وعلا : [b](فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون )[ البقرة : 79 ] ، وقوله سبحانه : ( وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ) [ آل عمران: 78 ] 0
[/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b]